يقال ” استمتع بالأشياء الصغيرة، لأنك في يوم ما قد تنظر إلى الوراء وتدرك أنها كانت أشياء كبيرة ! “
حديث في الماضي
    كانت الفترة الممتدة بين الأعوام ( ١٩٧٥- ١٩٨٥ ) من القرن الماضي بمثابة حقبة مهمة في تاريخ التصوير الضوئي. ففي تلك الفترة تنافست الشركات المعروفة بصناعة الكاميرات تنافساً شديداً، وقدمت خلالها البعض من أكثر كاميرات الأفلام شهرة وديمومة. فلم تعطِ تلك الكاميرات معايير جديدة في الشكل والتصميم فحسب، بل ساعدت أيضًا في تشكيل وظائف وطرق جديدة للتعامل مع الكاميرا بعد ان كانت التكنولوجيا تتقدم ببطء. ففي تلك الحقبة تطورت تكنولوجيا صناعة الإلكترونيات والدوائر المتكاملة إلى الحد الذي سمح باستخدامها في صناعة أشياء كثيرة منها الكاميرات بسبب صغر حجم تلك العناصر وسرعتها الفائقة وحاجتها المحدودة للطاقة. وهذا ما جعل من الكاميرا آلة جذابة تحمل الكثير من أناقة ذلك العصر، وتمكنت من استقطاب حتى الأشخاص من ذوي الاهتمام المحدود بفن التصوير.
شهد العام ١٩٧٩ ولادة ثلاث كاميرات رائعة من نوع SLR وهم الكاميرات ( Minolta xd-5 , Pentax me-super , Olympus OM-10 )، كل منهم تعود لشركة تمتلك تاريخاً فوتوغرافياً معروفاً ومتميزاً، فبيع منهم الملايين وربما عشرات الملايين. احتوت كل من هذه الكاميرات على ميزات وتقنيات جديدة تجعل منها كاميرا شبه احترافية مع سعر مناسب إلى حد ما، وكانت كل واحدة تعمل بطريقة مختلفة عن الأخريات. الشيء المشترك بينهم هو الحجم الصغير والشكل الكلاسيكي الجذاب والأنيق.
لعبت شعارات التسويق بالإضافة لنمو القدرة الشرائية عند لأفراد دوراً كبيراً في توجه حتى اصحاب الميول المحدودة لشراء كاميرا. فالشكل الاحترافي للكاميرات والأتمتة العالية الدقة، سمحت بكتابة شعارات مغرية وصادقة ( احياناً ). من ذلك على سبيل المثال ( هل تريد ان تصور كمحترف ؟ ) ( امنح عائلتك صور احترافية ) ( احتفظ باللحظة بجودة صور عالية ) ( صور احترافية بكبسة زر واحدة ) إلى آخره من العبارات التي تدغدغ المشاعر وتدفع المترددين بتجربة ما يقال. فأخذ غالبية الناس تبحث عن الكاميرا التي تناسبها بغرض شرائها. وقد اشتد ذلك بشكل ملحوظ مع بداية الثمانينات بعد ان توسع إنتاج الكاميرات وأصبحت اكثر يسراً من حيث الاستخدام مع امكانية الحصول على صور جيدة. وقد ذكر أحد كبار السن من المهتمين الأجانب، ان شركة كانون لوحدها قد باعت اكثر من ستة ملايين كاميرا خلال خمس سنوات فقط من الكاميرا نوع Canon AE1 program المنتجة في العام ١٩٨١، وهذه الكاميرا هي نوع واحد من سلسلة كاميراتها المعروفة والتي تحمل العلامة A. ويقول ذلك الرجل ان مجموع مبيعاتها من هذه السلسة تجاوز الخمسين مليون كاميرا، ما جعل الشركة تتقدم مالياً على جميع الشركات المنافسة الأخرى مثل Nikon و Minolta و Pentax و Olympus. ( في الواقع الكاميرا Canon AE1 program ليست افضل كاميرات جيلها، إلا ان السعر والدعاية والتوقيت والحظ لعبوا ادوارهم. وفي نفس العام استطاعت كذلك شركة Minolta من تحقيق سقف مبيعات عالي جداً بعد طرحها للكاميرا Minolta X-700 ). بشكل عام كانت أسعار كاميرات شركة Nikon اعلى من مثيلاتها لكونها بجودة ومتانة اعلى حسب ما يذكر.
على الصعيد الشخصي، في تلك الفترة اي في الأعوام ١٩٨٠-١٩٨٢، كانت واحدة من الأمنيات هي اقتناء الكاميرا Minolta xd-7 والتي طرحت في الأسواق في العام ١٩٧٧، وهي الكاميرا الأكثر جمالاً والأرق ملمساً والاشمل تقنياً وإبداعاً في عصرها. كما وان جميع أجزائها الخارجية والداخلية مصنوعة من المعدن من اجل جودة ومتانة عالية، وهي واحدة من نتائج تعاون شركة Minolta مع شركة Leica الالمانية. واذا عدت إلى شبكة الانترنيت ستجد عشرات المصورين من كبار السن يتحدثون عن حبهم لهذه الكاميرا وكأنهم يتحدثون عن حبهم لفتاة لم ينالوا وصالها في شبابهم، وأنهم لم يستطيعوا الحصول عليها إلا في وقت متأخر كحنين لماضي لن يعود بسبب ثمنها الباهض في ذلك الوقت. حتى ان احدهم يذكر على سبيل المزحة ويقول : كان اصحاب محلات بيع الكاميرات لا يذكروا لك سعرها إلا بعد ان يتأكدوا انك من الذين يتحملون الصدمة !. وقد سبق لي ان كتبت منشوراً عن هذه الكاميرا. اما الخيار الثاني فكان يميل للكاميرا Pentax me-super، فهي كذلك بشكل وحجم كلاسيكي أنيق جداً وكانت بسعر يقترب من ثلثي الكاميرا مينولتا. ومن الجدير بالذكر ان كلتا الكاميرتين كانتا متوفرين في اسواق الأجهزة الدقيقة. وما كان حائلاً دون شراء واحدة هو السعر المرتفع كما ذكرت إضافة إلى اني قد اقتنيت قبل ذلك بوقت قصير الكاميرا Yashica fx-3 وهي من الكاميرات الرخيصة نسبياً.
ولابد من الإضافة إلى أن شغف شراء الكاميرا بالنسبة لي لا يعني بالضرورة التصوير، وانما لمتعة امتلاك هذا الصندوق الأسود، لما فيه من السحر والغموض. الصندوق الذي قدم من خلاله الكثير من المصورين في هذا العالم المترامي الأطراف، وعلى مدى قرن ونصف، أعمالهم المبهرة.
بعد تلك المرحلة توالت الإضافات التقنية والابتكارات على عمل الكاميرا بوتيرة اسرع بسبب التطوير السريع في مجال الإلكترونيات، وكانت واحدة من اهم الابتكارات المضافة لعمل الكاميرا هو التركيز البؤري التلقائي autofocus. على الرغم ان هذه التقنية كانت مستخدمة في نهاية السبعينيات مع بعض الكاميرات الصغيرة، إلا ان شركة Minolta في العام ١٩٨٥ استطاعت اضافة هذا النظام بشكل متكامل ومتقدم من خلال كاميرتها  Minolta MAXXUM 7000 اي مع الكاميرا نوع SLR، وكان الأسلوب المستخدم قريب إلى حد كبير من تقنيات وقتنا الحاضر. وكانت الدعاية المصاحبة لهذه الكاميرا ” العين البشرية وحدها تستطيع التمركز بشكل أسرع ! ” كدلالة على سرعة ضبط التمركز الآلي فيها. إلا أن هذا النظام قد جلب بعض المشاكل والمتاعب للشركة، بعد ان اقدمت شركة Honeywell والمعروفة عالمياً على تقديم شكوى قضائية ضد شركة مينولتا ذكرت فيها على ان الفكرة والطريقة فيها تعدي على حقوق لبراءة اختراع مسجلة من قبلها. وفعلا صدر حكماً قضايا في العام ١٩٩١ بتعويض شركة Honeywell مبلغاً قدرة ١٢٧ مليون دولار. ربما الشركات الاخرى تحوطت للأمر وسارعت في شراء براءة الاختراع قبل استخدام هذه التقنية مع كاميراتها.
الصورة المرفقة من أرشيف عام ١٩٨٩ ( بعد الطباعة والتأطير )
نوع الكاميرا المستخدمة Konica Auto reflex Tc، من إنتاج ١٩٧٦ – ١٩٨٢
العدسة المستخدمة على ما أتذكر Vivitar wide angle
الدكتور مصيب محمد جاسم

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.