المصور الأردني رائد عماري: لا توجد أسرار لتحقيق صورة ناجحة
رائد عماري طبيب ومصور أردني من الاسماء التي تألقت في الاعوام الاخيرة في المشهد الفوتوغرافي العربي . لفت انتباهنا جميعا بأسلوبه المتميز ودقة اعماله ولا سيما في محور البورتريه، يختار شخصياته بعناية ويحرص على ايصال ما تنطوي عليه نظراتهم وإيماءاتهم بقوة وتجسيد احاسيسهم من خلال ما يقدمه للمتلقي من لوحات ضوئية تستوقفنا طويلا لقراءة كل تفاصيلها بتأني وتمعن عميق. نلتقي به اليوم ليحدثنا شخصيا عن فنه ورؤيته الفنية في التعامل مع هذا الفن الراقي.
- عرفنا قليلا بنفسك، كيف كانت بداياتك مع التصوير..؟
رائد عمّاري، من مواليد بلدة الحُصن في شمال الاردن. اكملت دراستي في مجال طب الاسنان في الأردن ثم انتقلت للدراسة والعمل في الولايات المتحدة الامريكيّة. اعمل حاليّا كطبيب اسنان في عيادتي الخاصة في ولاية كولورادو.
والدي فنان تشكيلي و كان دكتورا محاضرا في مجال التربية الفنيّة في جامعة البلقاء الأردنية. بدايتي الفنيّة كانت منذ الصغر بتصفح كتب الفن التشكيلي في مكتبة والدي و متابعة اعماله الفنية و رسوماته. كان لذلك تأثير واضح على تذوّقي للفن بشكل عام.
أما بداياتي في التصوير فكانت عندما جلبت كاميرا هدية لأهلي. قمت بتجريبها والتعلم عليها حتى ارشدهم الى كيفية استخدامها. احببت الفكرة و قمت بشراء كاميرا خاصة لي.
- من خلال الاطلاع على اعمالك نجد أنك بدأت بتصوير الماكرو ثم استقر بك المطاف في محور البورتريت ؟ فاي المحاور تفضل وهل تؤمن بضرورة التخصص؟
كنت دائماً محبا لعالم الحشرات و الطبيعة بشكل عام. عالم الماكرو عالم غامض و جميل و بالنسبة الي لم يكن يقتصر على تكبير شيء صغير فقط و وضعه على شاشة كمبيوتر لكي يراه المشاهد دون اضافة لمسة فنيّة من ناحية الالوان والتكوين والخلفية. بل كانت الصورة تمر بمراحل الفكرة والتطبيق والتعديل لتحكي حكاية او توصل تكوين جمالي و فني.
تصوير البورتريت هو مجال اوسع و اكثر تنوعاً من الماكرو وله انواعه المختلفة. في العادة احب اضافة لمسة من الفانتازيا على صور البورتريت لتحقيق افكار مسبقة في ذهني.
على المصور تجريب انواع مختلفة من التصوير لكسب الخبرة الفوتوغرافيّة بشكل عام و معرفة النوع الذي يفضله لكن في النهاية التخصص بنوع أو نوعين فقط مهم للتركيز للإبداع في هذا التخصص بدل التشتت بين الانواع المختلفة.
- لو القينا نظرة بانورامية على عالم تصوير البورتريت نجد اساليب وتقنيات متعددة ومنوعة وبعض الاسماء أسسوا مايمكن ان نسميه مدرسة من ناحية التقنية في المعالجة مثل Lee Jeffries Effect, Dragan Effect وغيرهم من الكلاسيك Yousuf Karsh. وانت من المصورين الذين يمتلكون رؤية مميزة جدا واسلوب خاص بك فهل استفدت من هذه الاساليب او فضلت ان تصنع لنفسك اسلوب خاص بك؟
فعلاً استفدت في البداية من دراسة الاساليب المختلفة للتصوير الكلاسيكي والمعاصر و هذا لا يعيب أي مصوّر يسعى لكسب الخبرة في التصوير والمعالجة. لكن المنحنى التعليمي في ذلك شديد الميلان ويحتاج الى وقت و جهد و ممارسة. عامل الوقت مهم لكسب الخبرة وللأسف لا توجد طرق مختصرة أو “أسرار” لتحقيق صورة ناجحة من الناحية التقنية والفنية. لا يوجد شخص او جهاز قادر على تنزيل كل المعلومات و الخبرة الى دماغ شخص آخر كما في فيلم “The Matrix” لتحقيق نفس نجاح من سخّر الوقت والجهد والمال للقراءة و مشاهدة الفيديوهات التعليمية و أخذ دورات و الممارسة الفعليّة على ارض الواقع. لذلك فإن الصبر والممارسة مهمّان جدّا لتحقيق النجاح الفوتوغرافي.
يجب في النهاية على كل مصور محاولة تطوير اسلوب و نمط خاص يميّزانه عن البقية. التميّز مهم جداً لتحقيق نجاح في مجال مكتظ بالكثير من المصورين. أي مصوّر يستطيع التقاط صورة بورتريت و اضافة بعض الفلاتر عليها دون رؤية فنيّة واضحة. معظم الفلاتر و الاساليب السريعة في المعالجة في البورتريت تنزع الحياة من الجلد و تضيف الوان غير واقعية. قد يكون ذلك مناسبا من الناحية الفنية لبعض الصور اذا كان مقصوداً. لكن في العادة يقع المصور المبتدئ في مصيدة الفلاتر السهلة و يعتمد عليها كثيراً مما يؤخّر تعلّم و فهم نظرية الألوان و تطوير اسلوبه الخاص.
- لديك أعمال بالالوان واخرى أحادية ، متى تقرر استخدام اسلوب أو آخر، وهل تتفق مع تيد غرانت في مقولته الشهيرة :
“When you photograph people in color, you photograph their clothes. But when you photograph people in Black and white, you photograph their souls!”
فلسفة المصّور تتغيّر مع الوقت. كنت اتفق مع هذه المقولة في السابق لكن لا اتفق معها الآن. الألوان مهمة جداً في تصوير البورتريت و حياة الناس. درجات لون الجلد و الوان الازياء و الملابس و الشعر كلها مهمة لإيصال الصورة. اذا كانت الالوان في الصورة غير جميلة و مشتّتة للنظر احولها للابيض والاسود. و اذا كانت الحالة الانفعالية من غضب او حزن او فرح هي المقصود إيصالها في البورتريت، تحويل الصورة للابيض والاسود قد يكون مناسبا اكثر. كما ان الابيض والاسود يعطيني قدرة اكبر على ابراز التباين بين مناطق الظلال والإضاءة في صور حياة الشارع. لذلك فلكل صورة وضعها الخاص ولا يوجد قاعدة عامة بوجوب ان يكون البورتريه بالابيض والاسود لإيصال فكرة أعمق وأقوى.
- الحكاية، المعالجة ،الرؤية الفنية للمصور ماهو الترتيب الصحيح لهذه العناصر في رأيك؟
في رأيي الترتيب المنطقي لهذه العناصر هو الحكاية أو الفكرة ثم الرؤية الفنية للمصوّر لكيفيّة تطبيق هذه الفكرة فوتوغرافيّاً ثم المعالجة لإبراز الفكرة بشكل متكامل و مثالي. لكن في بعض الأحيان الامور ليست بهذه السهولة والوضوح. احياناً الحكاية يتم تغييرها لاحقاً اثناء التصوير او المعالجة حيث ان الأفكار الفنية تتطوّر و تتغيّر بشكل مستمر في عقل المصوّر المبدع.
- نحن نعيش في عالم التقنيات الرقمية وبرامج المعالجة اصبحت لاغنى عنها ، هل تحدثنا عن التقنيات التي تستخدمها في معالجة صورك والتي تعتقد انها ضرورية مهما بلغ المصور من مستوى قبل ان يعرض اي صورة؟
المعالجة جزء اساسي لإبراز جماليات الصورة و لا غنى عنها ابداً. قد تكون المعالجة بسيطة و قد تكون معقّدة. احد أكثر العناصر المميزة للمصور هو طريقة معالجته للصور. كثير من الأحيان تستطيع معرفة المصور فقط من طريقة معالجة وتعديل الالوان للصورة بحيث اصبحت هذه المعالجة بصمة لهذا المصور.
انا شخصيّاً ابدأ بالتعديلات الأساسية في برنامج ال”لايت روم” ثم انقل الصورة لعمل التعديلات المتقدمة في برنامج ال”فوتوشوب”. من اهم التقنيات التي استخدمها شخصيّا هي ال “ دوج & بيرن “ لابراز بعض التفاصيل الدقيقة والمهمة في البورتريت. اهم عامل للمعالجة الناجحة هو عدم تطبيق اي تعديل على جميع اجزاء الصورة معاً و دائما تقليل ال”اوباسيتي” لأي تعديل. اثناء المعالجة احاول المحافظة على نقاء الصورة و ابقاء الوان البورتريت وبخاصة الجلد طبيعيّ قدر الإمكان. بعض الصور التي تحمل طابع سينمائي و فانتازيا يتم تعديل الألوان حسب الثيم المرجو من الصورة.